الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ مُطَهَّرَةٌ مِنْ الْحَيْضِ وَالْبَوْلِ وَالْبُزَاقِ كُلَّمَا رُزِقُوا أُتُوا بِشَيْءٍ ثُمَّ أُتُوا بِآخَرَ قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ أُتِينَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا وَيَخْتَلِفُ فِي الطُّعُومِ قُطُوفُهَا يَقْطِفُونَ كَيْفَ شَاءُوا دَانِيَةٌ قَرِيبَةٌ الْأَرَائِكُ السُّرُرُ وَقَالَ الْحَسَنُ النَّضْرَةُ فِي الْوُجُوهِ وَالسُّرُورُ فِي الْقَلْبِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ سَلْسَبِيلًا حَدِيدَةُ الْجِرْيَةِ غَوْلٌ وَجَعُ الْبَطْنِ يُنْزَفُونَ لَا تَذْهَبُ عُقُولُهُمْ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ دِهَاقًا مُمْتَلِئًا كَوَاعِبَ نَوَاهِدَ الرَّحِيقُ الْخَمْرُ التَّسْنِيمُ يَعْلُو شَرَابَ أَهْلِ الْجَنَّةِ خِتَامُهُ طِينُهُ مِسْكٌ نَضَّاخَتَانِ فَيَّاضَتَانِ يُقَالُ مَوْضُونَةٌ مَنْسُوجَةٌ مِنْهُ وَضِينُ النَّاقَةِ وَالْكُوبُ مَا لَا أُذْنَ لَهُ وَلَا عُرْوَةَ وَالْأَبَارِيقُ ذَوَاتُ الْآذَانِ وَالْعُرَى عُرُبًا مُثَقَّلَةً وَاحِدُهَا عَرُوبٌ مِثْلُ صَبُورٍ وَصُبُرٍ يُسَمِّيهَا أَهْلُ مَكَّةِ الْعَرِبَةَ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ الْغَنِجَةَ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ الشَّكِلَةَ وَقَالَ مُجَاهِدٌ رَوْحٌ جَنَّةٌ وَرَخَاءٌ وَالرَّيْحَانُ الرِّزْقُ وَالْمَنْضُودُ الْمَوْزُ وَالْمَخْضُودُ الْمُوقَرُ حَمْلًا وَيُقَالُ أَيْضًا لَا شَوْكَ لَهُ وَالْعُرُبُ الْمُحَبَّبَاتُ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ وَيُقَالُ مَسْكُوبٌ جَارٍ وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ لَغْوًا بَاطِلًا تَأْثِيمًا كَذِبًا أَفْنَانٌ أَغْصَانٌ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ مَا يُجْتَنَى قَرِيبٌ مُدْهَامَّتَانِ سَوْدَاوَانِ مِنْ الرِّيِّ الشرح: قوله: (باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة) أي موجودة الآن، وأشار بذلك إلى الرد على من زعم من المعتزلة أنها لا توجد إلا يوم القيامة، وقد ذكر المصنف في الباب أحاديث كثيرة دالة على ما ترجم به: فمنها ما يتعلق بكونها موجودة الآن، ومنها ما يتعلق بصفتها. وأصرح مما ذكره في ذلك ما أخرجه أحمد وأبو داود بإسناد قوي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لما خلق الله الجنة قال لجبريل: اذهب فانظر إليها " الحديث. قوله: (وقال أبو العالية (مطهرة) من الحيض والبول والبصاق (كلما رزقوا) منها إلخ) وصله ابن أبي حاتم من طريقه مفرقا دون أوله. وأخرج من طريق مجاهد نحوه وزاد " ومن المني والولد " ومن طريق قتادة لكن قال " من الأذى والإثم " وروى هذا عن قتادة موصولا قال: عن أبي نضرة عن أبي سعيد مرفوعا، ولا يصح إسناده. وأخرج الطبري نحو ذلك عن عطاء وأتم منه، وروى ابن أبي حاتم أيضا من طريق يحيى بن أبي كثير قال: " يطوف الولدان على أهل الجنة بالفواكه فيأكلونها، ثم يؤتون بمثلها، فيقول أهل الجنة هذا الذي أتيتمونا به آنفا، فيقولون لهم كلوا فإن اللون واحد والطعم مختلف " وقيل: المراد بالقبلية هنا ما كان في الدنيا. وروى ابن أبي حاتم أيضا والطبري ذلك من طريق السدي بأسانيده قال: " أتوا بالثمرة في الجنة، فلما نظروا إليها قالوا هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا " ورجح هذا الطبري من جهة ما دلت عليه الآية من عموم قولهم ذلك في كل ما رزقوه قال: فيدخل في ذلك أول رزق رزقوه فيتعين أن لا يكون قبله إلا ما كان في الدنيا. قوله: (يشبه بعضه بعضا ويختلف في الطعم) هو كقول ابن عباس ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء. وقال الحسن: معنى قوله: " متشابها " أي خيارا لا رداءة فيه. (تنبيه) : وقع في رواية الكشميهني " هذا الذي رزقنا من قبل أتينا " ولغيره " أوتينا " وهو الصواب، قال ابن التين: هو من أوتيته بمعنى أعطيته، وليس من أتيته بالقصر بمعنى جئته. قوله: (قطوفها يقطفون كيف شاءوا دانية قريبة) أما قوله: " يقطفون كيف شاءوا " فرواه عبد بن حميد من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال في قوله قطوفها دانية قال: يتناول منها حيث شاء، وأما قوله دانية قريبة فرواه ابن أبي حاتم من طريق الثوري عن أبي إسحاق عن البراء أيضا، ومن طريق قتادة قال: دنت فلا يرد أيديهم عنها بعد ولا شوك. قوله: (الأرائك السرر) رواه عبد بن حميد بإسناد صحيح من طريق حصين عن مجاهد عن ابن عباس قال: الأرائك السرر في الحجال. ومن طريق منصور عن مجاهد نحوه ولم يذكر ابن عباس. ومن طريق الحسن ومن طريق عكرمة جميعا أن الأريكة هي الحجلة على السرير. وعن ثعلب الأريكة لا تكون إلا سريرا متخذا في قبة عليه شواره. قوله: (وقال الحسن النضرة في الوجه والسرور في القلب) رواه عبد بن حميد من طريق مبارك بن فضالة عن الحسن في قوله تعالى: قوله: (وقال مجاهد سلسبيلا حديدة الجرية) وصله سعيد بن منصور وعبد بن حميد من طريق مجاهد، وحديدة بفتح المهملة وبدالين مهملتين أيضا أي قوية الجرية. وذكر عياض أن القابسي رواها " حريدة " براء بدل الدال الأولى وفسرها بلينة، قال: والذي قاله لا يعرف وإنما فسروا السلسبيل بالسهلة اللينة الجرية. قلت: يشير بذلك إلى تفسير قتادة، رواه عبد بن حميد عنه قال في قوله تعالى: قوله: (غول وجع البطن ينزفون لا تذهب عقولهم) رواه عبد بن حميد من طريق مجاهد قال في قوله لا فيها غول ولا هم عنها ينزقون فذكره. قوله: (وقال ابن عباس دهاقا ممتلئة) وصله عبد بن حميد من طريق عكرمة عنه قال: الكأس الدهاق الممتلئة المتتابعة، وسيأتي في أيام الجاهلية من وجه آخر. قوله: (كواعب نواهد) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال في قوله تعالى: (كواعب أترابا) قال: نواهد انتهى. وهو جمع ناهد والناهد هي التي بدا نهدها قوله: (الرحيق الخمر) وصله ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: (رحيق مختوم) قال الخمر ختم بالمسك، وقيل: الرحيق هو الخالص، من كل شيء. قوله: (التسنيم يعلو شراب أهل الجنة) وصله عبد بن حميد بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: التسنيم يعلو شراب أهل الجنة، وهو صرف للمقربين، ويمزج لأصحاب اليمين. قوله: (ختامه طينه مسك) وصله ابن أبي حاتم من طريق مجاهد في قوله (ختامه مسك) قال: طينه مسك. قال ابن القيم في " حادي الأرواح " تفسير مجاهد هذا يحتاج إلى تفسير، والمراد ما يبقى آخر الإناء من الدردي مثلا. قال وقال بعض الناس معناه آخر شربهم يختم برائحة المسك. قلت: هذا أخرجه ابن أبي حاتم أيضا من طريق أبي الدرداء قال في قوله ختامه مسك قال هو شراب أبيض مثل الفضة يختمون به آخر شرابهم، وعن سعيد بن جبير: ختامه آخر طعمه. قوله: (نضاختان فياضتان) وصله ابن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عن ابن عباس. قوله: (يقال موضونة منسوجة منه وضين الناقة) هو قول الفراء، قال في قوله: " موضونة " أي منسوجة، وإنما سمت العرب وضين الناقة وضينا لأنه منسوج. وقال أبو عبيدة في المجاز في قوله: قال: والوضين البطان إذا نسج بعضه على بعض مضاعفا، وهو وضين في موضع موضون. وروى ابن أبي حاتم من طريق الضحاك في قوله (موضونة) قال: التوضين التشبيك والنسج، يقول وسطها مشبك منسوج. ومن طريق عكرمة في قوله (موضونة) قال: مشبكة بالدر والياقوت. قوله: (والكوب ما لا أذن له ولا عروة والأباريق ذوات الآذان والعرى) هو قول الفراء سواء، وروى عبد بن حميد من طريق قتادة قال: الكوب الذي دون الإبريق ليس له عروة. قوله: (عربا مثقلة) أي مضمومة الراء (واحدها عروب مثل صبور وصبر) أي على وزنه، وهذا قول الفراء، وحكى عن الأعمش قال: " كنت أسمعهم يقولون: (عربا) بالتخفيف وهو كالرسل والرسل بالتخفيف في لغة تميم وبكر، قال الفراء والوجه التثقيل لأن كل فعول أو فعيل أو فعال جمع على هذا المثال فهو مثقل مذكرا أو مؤنثا، قلت: مرادهم بالتثقيل الضم وبالتخفيف الإسكان. قوله: (يسميها أهل مكة العربة إلخ) جزم الفراء بأنها الغنجة وأخرجه ابن أبي حاتم عن عكرمة ومن طريق بريدة قال: هي الشكلة بلغة أهل مكة والمغنوجة بلغة أهل المدينة، ومثله في " كتاب مكة للفاكهي " وروى ابن أبي حاتم من طريق زيد بن أسلم قال: هي الحسنة الكلام، ومن طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جده مرفوعا " لعرب كلامهن عربي " وهو ضعيف منقطع. وأخرج الطبري من طريق تميم بن حذام في قوله: " عرباء " قال: العربة الحسنة التبعل، كانت العرب تقول إذا كانت المرأة حسنة التبعل أنها لعربة. ومن طريق عبد الله بن عبيد بن عمير المكي قال: العربة التي تشتهي زوجها، ألا ترى أن الرجل يقول للناقة إنها لعربة. قوله: (وقال مجاهد روح جنة ورخاء والريحان الرزق) يريد تفسير قوله تعالى: (فروح وريحان) قال الفريابي: حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: (فروح) قال جنة: (وريحان) قال رزق. وأخرجه البيهقي في الشعب من طريق آدم عن ورقاء بسنده بلفظ قوله: (والمنضود الموز والمخضود الموقر حملا ويقال أيضا الذي لا شوك له) وصله الفريابي والبيهقي عن مجاهد في قوله: والسدر المخضود الموقر حملا. ويقال أيضا الذي لا شوك فيه، وذلك لأنهم كانوا يعجبون بوج وظلاله من طلح وسدر. قلت: وج بفتح الواو وتشديد الجيم بالطائف، وكأن عياضا لم يقف على ذلك فزعم في أواخر المشارق أن الذي وقع في البخاري تخليط، قال: والصواب والطلح الموز والمنضود الموقر حملا الذي نضد بعضه على بعض من كثرة حمله. كذا قال، وقد نقل الطبري القولين عن جمع من العلماء بأسانيده إليهم، فنقل الأول عن مجاهد والضحاك وسعيد بن جبير، ونقل الثاني عن ابن عباس وقتادة وعكرمة وقسامة بن زهير وغيرهم، وكأن عياضا استبعد تفسير الخضد بالثقل لأن الخضد في اللغة القطع، وقد نقل أهل اللغة أيضا أن الخضد التثني، وعليه يحمل التأويل الأول أي أنه من كثرة حمله انثنى، وأما التأويل الذي ذكره هو فقد نقل الطبري اتفاق أهل التأويل من الصحابة والتابعين على أن المراد بالطلح المنضود الموز، وأسند عن علي أنه كان يقولها والطلع بالعين، قال فقيل له: أفلا تغيرها؟ قال: إن القرآن لا يهاج اليوم فظهر بذلك فساد الاعتراض، وأن الذي وقع في الأصل هو الصواب والله أعلم. قوله: (والعرب المحببات إلى أزواجهن) كذا أخرجه عبد بن حميد والفريابي والطبري وغيرهم من طريق مجاهد وغيره، ورواه الفريابي من وجه آخر عن مجاهد قال: العرب العواشق. وأخرج الطبري نحوه عن أم سلمة مرفوعا. قوله: (مسكوب جار) يريد تفسير قوله تعالى: وقال أبو عبيدة في المجاز: المرفوعة العالية، تقول بناء مرتفع أي عال. وروى ابن حبان والترمذي من حديث أبي سعيد الخدري في قوله وفرش مرفوعة قال: ارتفاعها مسيرة خمسمائة عام، قال القرطبي: معناه أن الفرش الدرجة وهذا القدر ارتفاع، قال: وقيل المراد بالفرش المرفوعة النساء المرتفعات القدر لحسنهن وجمالهن. قوله: (لغوا باطلا تأثيما كذبا) يريد تفسير قوله تعالى: قوله: (أفنان أغصان) يريد تفسير قوله تعالى: (ذواتا أفنان) و قوله: الحديث: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ فَإِنَّهُ يُعْرَضُ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ الشرح: حديث ابن عمر في عرض مقعد الميت عليه، وقد تقدم شرحه في أواخر الجنائز، وهو من أوضح الأدلة على مقصود الترجمة، وقوله في آخره: " فمن أهل النار " زاد إبراهيم بن شريك عن أحمد بن يونس شيخ البخاري فيه " حتى يبعثه الله يوم القيامة " أخرجه الإسماعيلي، وقد تقدمت هذه الزيادة أيضا والكلام عليها في الجنائز. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ الشرح: حديث أبي رجاء وهو العطاردي عن عمران بن حصين في أكثر أهل الجنة، وسيأتي شرحه في كتاب الرقاق مع بيان الاختلاف فيه على أبي رجاء، والغرض منه هنا قوله: " اطلعت في الجنة " فإنه يدل على أنها موجودة حالة إطلاعه، وهو مقصود الترجمة. و " سلم " بفتح المهملة وسكون اللام و " زرير " بوزن عظيم أوله زاي بعدها راء وآخره راء أيضا الحديث: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ قَالَ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ فَقُلْتُ لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ فَقَالُوا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا فَبَكَى عُمَرُ وَقَالَ أَعَلَيْكَ أَغَارُ يَا رَسُولَ اللَّهِ الشرح: حديث أبي هريرة في قصة القصر الذي رأى لعمر في الجنة، وسيأتي شرحه في مناقبه، والغرض منه قوله: " رأيتني في الجنة " وهذا وإن كان مناما لكن رؤيا الأنبياء حق، ومن ثم أعمل حكم غيرة عمر حتى امتنع من دخول القصر وقد روى أحمد من حديث معاذ قال: " إن عمر من أهل الجنة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ما يرى في يقظته أو نومه سواء، وأنه قال: بينا أنا في الجنة إذ رأيت فيها جارية فقلت: لمن هذه؟ فقيل: لعمر بن الخطاب". الحديث: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عِمْرَانَ الْجَوْنِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْخَيْمَةُ دُرَّةٌ مُجَوَّفَةٌ طُولُهَا فِي السَّمَاءِ ثَلَاثُونَ مِيلًا فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا لِلْمُؤْمِنِ أَهْلٌ لَا يَرَاهُمْ الْآخَرُونَ قَالَ أَبُو عَبْدِ الصَّمَدِ وَالْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ سِتُّونَ مِيلًا الشرح: حديث أبي موسى " الخيمة درة مجوفة طولها " كذا للأكثر وللسرخسي والمستملي " در مجوف طوله " وقع عندهما بصيغة المذكر، ووجهه أن المقصود معنى الخيمة وهو الشيء الساتر ونحو ذلك، وسيأتي شرح هذا الحديث في تفسير سورة الرحمن، وقوله: " وقال أبو عبد الصمد والحارث بن عبيد عن أبي عمران ستون ميلا " يعني أنهما رويا هذا الحديث بهذا الإسناد فقالا " ستون " بدل قول همام " ثلاثون " وطريق أبي عبد الصمد وهو عبد العزيز بن عبد الصمد العمي وصلهما المؤلف هناك، وطريق الحارث بن عبيد وهو ابن قدامة وصلها مسلم ولفظه " إن للعبد في الجنة لخيمة من لؤلؤة مجوفة طولها ستون ميلا". الحديث: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ الشرح: حديث أبي هريرة فيما أعد لأهل الجنة سيأتي شرحه في تفسير سورة السجدة. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَا يَبْصُقُونَ فِيهَا وَلَا يَمْتَخِطُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ أَمْشَاطُهُمْ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَمَجَامِرُهُمْ الْأَلُوَّةُ وَرَشْحُهُمْ الْمِسْكُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنْ الْحُسْنِ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ وَلَا تَبَاغُضَ قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا الشرح: حديث أبي هريرة في صفة أهل الجنة أورده من طريقين، وقد ذكره من طريق ثالثة سيأتي في هذا الباب أيضا، وقد ذكر بعضه في صفة آدم من وجه رابع. قوله: (أول زمرة) أي جماعة. قوله: (صورتهم على صورة القمر ليلة البدر) أي في الإضاءة، وسيأتي بيان ذلك في الرقاق بلفظ " يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر " وفي الرواية الثانية هنا: " والذين على أثرهم كأشد كوكب إضاءة " زاد مسلم في رواية أخرى " ثم هم بعد ذلك منازل". قوله: (لا يبصقون فيها ولا يمتخطون ولا يتغوطون) زاد في صفة آدم " ولا يبولون ولا يتفلون " وفي الرواية الثانية " لا يسقمون " وقد اشتمل ذلك على نفي جميع صفات النقص عنهم. ولمسلم من حديث جابر: " يأكل أهل الجنة ويشربون ولا يتغوطون طعامهم، ذلك جشاء كريح المسك " وكأنه مختصر مما أخرجه النسائي من حديث زيد بن أرقم قال: " جاء رجل من أهل الكتاب فقال: يا أبا القاسم تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون، قال نعم، إن أحدهم ليعطى قوة مائة رجل في الأكل والشرب والجماع، قال: الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة وليس في الجنة أذى، قال: تكون حاجة أحدهم رشحا يفيض من جلودهم كرشح المسك " وسمي الطبراني في روايته هذا السائل ثعلبة بن الحارث، قال ابن الجوزي: لما كانت أغذية أهل الجنة في غاية اللطافة والاعتدال لم يكن فيها أذى ولا فضلة تستقذر، بل يتولد عن تلك الأغذية أطيب ريح وأحسنه. قوله: (آنيتهم فيها الذهب) زاد في الرواية الثانية " والفضة " وقال في الأمشاط عكس ذلك، وكأنه اكتفى في الموضعين بذكر أحدهما عن الآخر فإنه يحتمل أن يكون الصنفان لكل منهم، ويحتمل أن يكون أحد الصنفين لبعضهم والآخر للبعض الآخر، ويؤيده حديث أبي موسى مرفوعا " جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما " الحديث متفق عليه، ويؤيد الأول ما أخرجه الطبراني بإسناد قوي عن أنس مرفوعا إن أدنى أهل الجنة درجة لمن يقوم على رأسه عشرة آلاف خادم بيد كل واحد صحفتان واحدة من ذهب والأخرى من فضة الحديث. (تنبيه) :: المشط بتثليث الميم والأفصح ضمها. قوله: (ومجامرهم الألوة) الألوة العود الذي يبخر به، قيل جعلت مجامرهم نفس العود، لكن في الرواية الثانية " ووقود مجامرهم الألوة " فعلى هذا في رواية الباب تجوز، ووقع في رواية الصغاني بعد قوله الألوة. قال أبو اليمان يعني العود " والمجامر جمع مجمرة وهي المبخرة سميت مجمرة لأنها يوضع فيها الجمر ليفوح به ما يوضع فيها من البخور، والألوة بفتح الهمزة ويجوز ضمها وبضم اللام وتشديد الواو وحكى ابن التين كسر الهمزة وتخفيف الواو والهمزة أصلية وقيل زائدة، قال الأصمعي أراها فارسية عربت. وقد يقال إن رائحة العود إنما تفوح بوضعه في النار والجنة لا نار فيها ومن ثم قال الإسماعيلي بعد تخريج الحديث المذكور: ينظر هل في الجنة نار؟ ويجاب باحتمال أن يشتعل بغير نار بل بقوله: كن، وإنما سميت مجمرة باعتبار ما كان في الأصل، ويحتمل أن يشتعل بنار لا ضرر فيها ولا إحراق، أو يفوح بغير اشتعال، ونحو ذلك ما أخرجه الترمذي من حديث ابن مسعود مرفوعا " إن الرجل في الجنة ليشتهي الطير فيخر بين يديه مشويا " وفيه الاحتمالات المذكورة، وفد ذكر نحو ذلك ابن القيم في الباب الثاني والأربعين من " حادي الأرواح " وزاد في الطير أو يشوي خارج الجنة أو بأسباب قدرت لإنضاجه ولا تتعين النار، قال: وقريب من ذلك قوله تعالى: (هم وأزواجهم في ظلال أكلها دائم وظلها) وهي لا شمس فيها. وقال القرطبي: قد يقال أي حاجة لهم إلى المشط وهم مرد وشعورهم لا تتسخ؟ وأي حاجة لهم إلى البخور وريحهم أطيب من المسك؟ قال: ويجاب بأن نعيم أهل الجنة من أكل وشرب وكسوة وطيب وليس عن ألم جوع أو ظمأ أو عري أو نتن، وإنما هي لذات متتالية ونعم متوالية، والحكمة في ذلك أنهم ينعمون بنوع ما كانوا يتنعمون به في الدنيا. وقال النووي: مذهب أهل السنة أن تنعم أهل الجنة على هيئة تنعم أهل الدنيا إلا ما بينهما من التفاضل في اللذة، ودل الكتاب والسنة على أن نعيمهم لا انقطاع له. قوله: (ولكل واحد منهم زوجتان) أي من نساء الدنيا، فقد روى أحمد من وجه آخر عن أبي هريرة مرفوعا في صفة أدنى أهل الجنة منزلة " وإن له من الحور العين لاثنتين وسبعين زوجة سوى أزواجه من الدنيا " وفي سنده شهر بن حوشب وفيه مقال، ولأبي يعلى في حديث الصور الطويل من وجه آخر عن أبي هريرة في حديث مرفوع " فيدخل الرجل على ثنتين وسبعين زوجة مما ينشئ الله وزوجتين من ولد آدم"، وأخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد رفعه " إن أدنى أهل الجنة الذي له ثمانون ألف خادم وثنتان وسبعون زوجة " وقال غريب، ومن حديث المقدام بن معد يكرب عنده " للشهيد ست خصال " الحديث وفيه " ويتزوج ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين " وفي حديث أبي أمامة عند ابن ماجه والدارمي رفعه " ما أحد يدخل الجنة إلا زوجه الله ثنتين وسبعين من الحور العين وسبعين وثنتين من أهل الدنيا " وسنده ضعيف جدا، وأكثر ما وقفت عليه من ذلك ما أخرج أبو الشيخ في " العظمة " والبيهقي في " البعث " من حديث عبد الله بن أبي أوفى رفعه " إن الرجل من أهل الجنة ليزوج خمسمائة حوراء أو أنه ليفضي إلى أربعة آلاف بكر وثمانية آلاف ثيب " وفيه راو لم يسم، وفي الطبراني من حديث ابن عباس " إن الرجل من أهل الجنة ليفضي إلى مائة عذراء " وقال ابن القيم: ليس في الأحاديث الصحيحة زيادة على زوجتين سوى ما في حديث أبي موسى " إن في الجنة للمؤمن لخيمة من لؤلؤه له فيها أهلون يطوف عليهم". قلت: الحديث الأخير صححه الضياء، وفي حديث أبي سعيد عند مسلم في صفة أدنى أهل الجنة ثم يدخل عليه زوجتاه، والذي يظهر أن المراد أن أقل ما لكل واحد منهم زوجتان، وقد أجاب بعضهم باحتمال أن تكون التثنية تنظيرا لقوله جنتان وعينان ونحو ذلك، أو المراد تثنية التكثير والتعظيم نحو لبيك وسعديك، ولا يخفى ما فيه. واستدل أبو هريرة بهذا الحديث على أن النساء في الجنة أكثر من الرجال كما أخرجه مسلم من طريق ابن سيرين عنه، وهو واضح لكن يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الكسوف المتقدم " رأيتكن أكثر أهل النار " ويجاب بأنه لا يلزم من أكثريتهن في النار نفي أكثريتهن في الجنة، لكن يشكل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر اطلعت في الجنة فرأيت أقل ساكنها النساء، ويحتمل أن يكون الراوي رواه بالمعنى الذي فهمه من أن كونهن أكثر ساكني النار يلزم منه أن يكن أقل ساكني الجنة، وليس ذلك بلازم لما قدمته، ويحتمل أن يكون ذلك في أول الأمر قبل خروج العصاة من النار بالشفاعة، والله أعلم. (تنبيه) :: قال النووي كذا وقع زوجتان بتاء التأنيث وهي لغة تكررت في الحديث والأكثر خلافها وبه جاء القرآن، وذكر أبو حاتم السجستاني أن الأصمعي كان ينكر زوجة ويقول إنما هي زوج، قال فأنشدناه قول الفرزدق: وإن الذي يسعى ليفسد زوجتي لساع إلى أسد الشرى يستنيلها قال فسكت. ثم ذكر له شواهد أخرى. قوله: (مخ سوقهما من وراء اللحم) في الرواية الثالثة " والعظم"، والمخ بضم الميم وتشديد المعجمة ما في داخل العظم، والمراد به وصفها بالصفاء البالغ وأن ما في داخل العظم لا يستتر بالعظم واللحم والجلد. ووقع عند الترمذي " ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة حتى يرى مخها " ونحوه لأحمد من حديث أبو سعيد وزاد " ينظر وجهه في خدها أصفى من المرآة". قوله: (قلب واحد) في رواية الأكثر بالإضافة، وللمستملي بالتنوين " قلب واحد " وهو من التشبيه الذي حذفت أداته أي كقلب رجل واحد، وقد فسره بقوله: " لا تحاسد بينهم ولا اختلاف " أي أن قلوبهم طهرت عن مذموم الأخلاق. قوله: (يسبحون الله بكرة وعشيا) أي قدرهما، قال القرطبي: هذا التسبيح ليس عن تكليف وإلزام، وقد فسره جابر في حديثه عند مسلم بقوله: " يلهمون التسبيح والتكبير كما يلهمون النفس " ووجه التشبيه أن تنفس الإنسان لا كلفة عليه فيه ولا بد له منه، فجعل تنفسهم تسبيحا، وسببه أن قلوبهم تنورت بمعرفة الرب سبحانه وامتلأت بحبه، ومن أحب شيئا أكثر من ذكره. وقد وقع في خبر ضعيف " إن تحت العرش ستارة معلقة فيه ثم تطوى، فإذا نشرت كانت علامة البكور، وإذا طويت كانت علامة العشي". الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَالَّذِينَ عَلَى إِثْرِهِمْ كَأَشَدِّ كَوْكَبٍ إِضَاءَةً قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ وَلَا تَبَاغُضَ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ لَحْمِهَا مِنْ الْحُسْنِ يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا لَا يَسْقَمُونَ وَلَا يَمْتَخِطُونَ وَلَا يَبْصُقُونَ آنِيَتُهُمْ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَأَمْشَاطُهُمْ الذَّهَبُ وَوَقُودُ مَجَامِرِهِمْ الْأَلُوَّةُ قَالَ أَبُو الْيَمَانِ يَعْنِي الْعُودَ وَرَشْحُهُمْ الْمِسْكُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ الْإِبْكَارُ أَوَّلُ الْفَجْرِ وَالْعَشِيُّ مَيْلُ الشَّمْسِ إِلَى أَنْ أُرَاهُ تَغْرُبَ الشرح: قوله في آخر الرواية: (قال مجاهد: الإبكار أول الفجر والعشي ميل الشمس إلى أن - أراه - تغرب) كذا في الأصل، وكأن المصنف شك في لفظ تغرب فأدخل قبلها أراه وهو بضم الهمزة أي أظنه فهي جملة معترضة بين أن والفعل، وقد وصله عبد بن حميد والطبري وغيره من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ " إلى أن تغيب " وهو بالمعنى الذي ظنه المصنف، قال الطبري " الإبكار " مصدر تقول أبكر فلان في حاجته يبكر إبكارا إذا خرج من بين طلوع الفجر إلى وقت الضحى، وأما العشي فمن بعد الزوال قال الشاعر: فلا الظل من برد الضحى يستطيعه ولا الفيء من برد العشي يذوق قال: والفيء يكون من عند زوال الشمس ويتناهى بمغيبها. وانظر الحديث السابق. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيَدْخُلَنَّ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا أَوْ سَبْعُ مِائَةِ أَلْفٍ لَا يَدْخُلُ أَوَّلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ وُجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ الشرح: حديث سهل بن سعد في عدد من يدخل الجنة بغير حساب، وسيأتي شرحه في الرقاق إن شاء الله تعالى. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُبَّةُ سُنْدُسٍ وَكَانَ يَنْهَى عَنْ الْحَرِيرِ فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْهَا فَقَالَ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا الشرح: حديث أنس " أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم جنة سندس " الحديث، وسيأتي شرحه في كتاب اللباس ومضى معظمه في كتاب الهبة، والغرض منه هنا ذكر مناديل سعد بن معاذ في الجنة. الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَوْبٍ مِنْ حَرِيرٍ فَجَعَلُوا يَعْجَبُونَ مِنْ حُسْنِهِ وَلِينِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا الشرح: حديث البراء بن عازب في ذلك، وذكره عقب حديث أنس لأن في حديث أنس تعجب الناس منها، وبين ذلك في حديث البراء حيث وقع فيه " فجعلوا يعجبون من حسنه ولينه " وسيأتي شرحه أيضا في اللباس إن شاء الله تعالى. الحديث: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا الشرح: حديث سهل بن سعد " موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها " وقد تقدم شرحه في أول الجهاد من حديث أنس. الحديث: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا الشرح: حديث أنس: " إن في الجنة لشجرة". قوله: (حدثنا روح بن عبد المؤمن) هو بفتح الراء وهو بصري مشهور وكذا بقبة رجال الإسناد وسعيد هو ابن أبي عروبة، وليس لروح بن عبد المؤمن في البخاري سوى هذا الحديث الواحد، وقد أخرجه الترمذي من طريق معمر عن قتادة وزاد في آخر الحديث " وإن شئتم فاقرءوا وظل ممدود". الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا هِلَالُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ سَنَةٍ وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ أَوْ تَغْرُبُ الشرح: حديث أبي هريرة في ذلك، وفيه الزيادة المشار إليها، وفيه " ولقاب قوس " وهذا الأخير تقدم في الجهاد من الكلام عليه، والشجرة المذكورة قال ابن الجوزي: يقال إنها طوبى (قلت) وشاهد ذلك في حديث عتبة بن عبد السلمي عند أحمد والطبراني وابن حبان، فهذا هو المعتمد خلافا لمن قال إنما نكرت للتنبيه على اختلاف جنسها بحسب شهوات أهل الجنة. قوله: (يسير الراكب) أي راكب فرض، ومنهم من حمله على الوسط المعتدل، وقوله: " في ظلها " أي في نعيمها وراحتها ومنه قولهم عيش ظليل، وقيل: معنى ظلها ناحيتها وأشار بذلك إلى امتدادها ومنه قولهم أنا في ظلله أي ناحيتك، قال القرطبي والمحوج إلى هذا التأويل أن الظل في عرف أهل الدنيا ما يقي من حر الشمس وأذاها وليس في الجنة شمس ولا أذى، وروى ابن أبي حاتم وابن أبي الدنيا في صفة الجنة عن ابن عباس قال: الظل الممدود شجرة في الجنة على ساق قدر ما يسير الراكب المجد في ظلها مائة عام من كل نواحيها فيخرج أهل الجنة يتحدثون في ظلها فيشتهي بعضهم اللهو فيرسل الله ريحا فيحرك تلك الشجرة بكل لهو كان في الدنيا. الحديث: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ هِلَالٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَالَّذِينَ عَلَى آثَارِهِمْ كَأَحْسَنِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ لَا تَبَاغُضَ بَيْنَهُمْ وَلَا تَحَاسُدَ لِكُلِّ امْرِئٍ زَوْجَتَانِ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِنَّ مِنْ وَرَاءِ الْعَظْمِ وَاللَّحْمِ الشرح: تقدم شرحه قريبا من هذا الحديث. الحديث: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ أَخْبَرَنِي قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ قَالَ إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ الشرح: حديث البراء " لما مات إبراهيم - يعني ابن النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن له مرضعا في الجنة " وقد تقدم الكلام عليه في الجنائز. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الْأُفُقِ مِنْ الْمَشْرِقِ أَوْ الْمَغْرِبِ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ تِلْكَ مَنَازِلُ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ قَالَ بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ الشرح: حديث أبي سعيد في تفاضل أهل الجنة. قوله: (عن صفوان بن سليم) عند مسلم في رواية ابن وهب عن مالك أخبرني صفوان، وهذا من صحيح أحاديث مالك التي ليست في الموطأ، ووهم أيوب بن سويد فرواه عن مالك عن زيد بن أسلم بدل صفوان ذكره الدار قطني في " الغرائب " وكأنه دخل له إسناد حديث في إسناد حديث، فإن رواية مالك عن زيد بدل صفوان، فهذا السند وقفت عليه في حديث آخر سيأتي في أواخر الرقاق وفي التوحيد. قوله: (عن أبي سعيد) في رواية فليح عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة أخرجه الترمذي وصححه وابن خزيمة، ونقل الدار قطني في " الغرائب " عن الذهلي أنه قال: لست أدفع حديث فليح، يجوز أن يكون عطاء بن يسار حدث به عن أبي سعيد، وعن أبي هريرة انتهى. وقد رواه أيوب بن سويد عن مالك فقال عن أبي حازم عن سهل بن سعد ذكره الدار قطني في " الغرائب " وقال إنه وهم فيه أيضا، قلت ولكنه له أصل من حديث سهل بن سعد عند مسلم ويأتي أيضا في " باب صفة أهل الجنة والنار " في الرقاق من حديث سهل أيضا لكنه مختصر عند الشيخين. قوله: (يتراءون) في رواية لمسلم " يرون " والمعنى أن أهل الجنة تتفاوت منازلهم بحسب درجاتهم في الفضل، حتى إن أهل الدرجات العلا ليراهم من هو أسفل منهم كالنجوم. وقد بين ذلك في الحديث بقوله: " لتفاضل ما بينهم". قوله: (الدري) هو النجم الشديد الإضاءة. وقال الفراء: هو النجم العظيم المقدار، وهو بضم المهملة وكسر الراء المشددة بعدها تحتانية ثقيلة وقد تسكن وبعدها همزة ومد وقد يكسر أوله على الحالين فتلك أربع لغات، ثم قيل إن المعنى مختلف، فبالتشديد كأنه منسوب إلى الدر لبياضه وضيائه، وبالهمز كأنه مأخوذ من درأ أي دفع لاندفاعه عند طلوعه. ونقل ابن الجوزي عن الكسائي تثليث الدال قال: فبالضم نسبة إلى الدر وبالكسر الجاري وبالفتح اللامع. قوله: (الغابر) كذا للأكثر وفي رواية الموطأ الغاير بالتحتانية بدل الموحدة، قال عياض كأنه الداخل في الغروب. وفي رواية الترمذي " الغارب " وفي رواية الأصيلي بالمهملة والزاي، قال عياض: معناه الذي يبعد للغروب، وقيل: معناه الغائب، ولكن لا يحسن هنا لأن المراد أن بعده عن الأرض كبعد غرف الجنة عن ربضها في رأي العين، والرواية الأولى هو المشهورة. ومعنى الغابر هنا الذاهب، وقد فسره في الحديث بقوله: " من المشرق إلى المغرب " والمراد بالأفق السماء وفي رواية مسلم من الأفق من المشرق أو المغرب، قال القرطبي من الأولى لابتداء الغاية أو هي للظرفية، ومن الثانية مبينة لها، وقد قيل إنها ترد لانتهاء الغاية أيضا قال: وهو خروج عن أصلها وليس معروفا عند أكثر النحويين، قال: ووقع في نسخ البخاري " إلى المشرق " وهو أوضح، ووقع في رواية سهل بن سهل عند مسلم " كما تراءون الكوكب الدري في الأفق الشرقي أو الغربي " واستشكله ابن التين وقال: إنما تغور الكواكب في المغرب خاصة فكيف وقع ذكر المشرق؟ وهذا مشكل على رواية الغاير بالتحتانية، وأما بالموحدة فالغابر يطلق على الماضي والباقي فلا إشكال. قوله: (قال بلى) قال القرطبي: بلى حرف جواب وتصديق، والسياق يقتضي أن يكون الجواب بالإضراب عن الأول وإيجاب الثاني، فلعلها كانت بل فغيرت ببلى، وقوله: " رجال " خبر مبتدأ محذوف تقديره وهم رجال، أي تلك المنازل منازل رجال آمنوا. قلت: حكى ابن التين أن في رواية أبي ذر " بل " بدل بلى، ويمكن توجيه " بلى " بأن التقدير نعم هي منازل الأنبياء بإيجاب الله تعالى لهم ذلك. ولكن قد يتفضل الله تعالى على غيرهم بالوصول إلى تلك المنازل. وقال ابن التين دد يحتمل أن تكون بلى جواب النفي في قولهم لا يبلغها غيرهم، وكأنه قال: بلى يبلغها رجال غيرهم. قوله: (وصدقوا المرسلين) أي حق تصديقهم وإلا لكان كل من آمن بالله وصدق رسله وصل إلى تلك الدرجة وليس كذلك، ويحتمل أن يكون التنكير في قوله رجال يشير إلى ناس مخصوصين موصوفين بالصفة المذكورة، ولا يلزم أن يكون كل من وصف بها كذلك لاحتمال أن يكون لمن بلغ تلك المنازل صفة أخرى، وكأنه سكت عن الصفة التي اقتضت لهم ذلك، والسر فيه أنه قد يبلغها من له عمل مخصوص، ومن لا عمل له كان بلوغها إنما هو برحمة الله تعالى. وقد وقع في رواية الترمذي من وجه آخر عن أبي سعيد " وإن أبا بكر وعمر لمنهم وأنعما"، وروى الترمذي أيضا عن علي مرفوعا " إن في الجنة لغرقا ترى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها. فقال أعرابي لمن هي يا رسول الله؟ قال: هي لمن ألان الكلام وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام". وقال ابن التين: قيل إن المعنى أنهم يبلغون درجات الأنبياء. وقال الداودي يعني أنهم يبلغون هذه المنازل التي وصف، وأما منازل الأنبياء فإنها فوق ذلك. قلت: وقع في حديث أبي هريرة عند أحمد والترمذي " قال بلى والذي نفسي بيده، وأقوام آمنوا بالله ورسوله " هكذا في بزيادة الواو العاطفة ففسد تأويل الداودي، والله المستعان. ويحتمل أن يقال: إن الغرف المذكورة لهذه الأمة، وأما من دونهم فهم الموحدون من غيرهم، أو أصحاب الغرف الذين دخلوا الجنة من أول وهلة، ومن دونهم من دخل بالشفاعة. ويؤيد الذي قبله قوله في صفتهم " هم الذين آمنوا بالله وصدقوا المرسلين " وتصديق جميع المرسلين إنما يتحقق لأمة محمد صلى الله عليه وسلم بخلاف من قبلهم من الأمم فإنهم وإن كان فيهم من صدق بمن سيجيء من بعده من الرسل فهو بطريق التوقع لا بطريق الواقع، والله أعلم. *3* وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجَنَّةِ فِيهِ عُبَادَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله: (باب صفة أبواب الجنة) هكذا ترجم بالصفة، ولعله أراد بالصفة العدد أو التسمية، فإنه أورد فيه حديث سهل بن سعد مرفوعا " في الجنة ثمانية أبواب " الحديث. وقال فيه: " قال النبي صلى الله عليه وسلم من أنفق زوجين في سبيل الله دعي من باب الجنة " وأشار بهذا إلى حديث أسنده في الصيام وفي الجهاد من حديث أبي هريرة وفيه: " فمن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة " الحديث، وقد سبق شرح حديث سهل بن سعد في الصيام، وحديث أبي هريرة فيه وفي الجهاد، ويأتي بقية شرحه في فضل أبي بكر إن شاء الله تعالى. قوله: (فيه عبادة) كأنه يشير إلى ما وصله هو في ذكر عيسى من أحاديث الأنبياء من طريق جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من شهد أن لا إله إلا الله " الحديث وفيه: " أدخله الله من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء"، وقد وردت هذه العدة لأبواب الجنة في عدة أحاديث: منها حديث أبي هريرة المعلق في الباب ومنها حديث عبادة المعلق فيه أيضا وعن عمر عند أحمد وأصحاب السنن، وعن عتبة بن عبد عند الترمذي وابن ماجه، وورد في صفة أبواب الجنة أن ما بين المصراعين مسيرة أربعين سنة، ومن حديث أبي سعيد ومعاوية بن حيدة ولقيط بن عامر، وأحاديث الثلاثة عند أحمد وهي مرفوعة، ولها شاهد عند مسلم من حديث عتبة بن غزوان لكنه موقوف. (تنبيه) :: وقع حديث سهل المسند مقدما على الحديثين المعلقين في رواية أبي ذر، ووقع لغيره تأخير المسند عن المعلقين.
|